*الإدارة الأهلية وأثرها الإجتماعي في أشعار شيخنا حاج الماحي*…

*الإدارة الأهلية وأثرها الإجتماعي في أشعار شيخنا حاج الماحي*…

*الإدارة الأهلية وأثرها الإجتماعي في أشعار شيخنا حاج الماحي*…
جمال أحمد الحسن – الرياض 22 أُكتوبر 2018م
*مدخل أول:*
لا شك أن وجود الإدارة الأهلية في زماننا السمح (داك) كان لها الدور الهام في الأمان الإجتماعي الذي كان يتمتع به أهلنا زمان…
يتمثَّل ذلك في (كُبَّارَتُن)… والإنسان الكُبَّارَا هُو صاحب الكاريزما والشخصية المقبولة الذي يحترمه الصديق والعدُو في آنٍ واحد…
كان دور العُمدة والشيخ لا يقتصر فقط على السلطَة التنظيمية، الدنيوية الزائلة بالإنتقال إلى دار الخلود… إنما كان لهم دور أخلاقي وإنساني يُمليه عليهم الإسلام السمح الذي طالما أوصى وحثَّ على فضائل الأعمال والسلوك القويم من إكرام الضيف وإغاثة الملهُوف وإطعام اليتيم وكسوة المحتاج…
*مدخل ثاني:*
حاج الماحي جسَّد هذه الصفات الجميلة والمعاني الإنسانية الراقية التي كان يتمتَّع بها العُمد والمشائخ في قصيدته (الرسُول نُور البلد.. يا حْلِيلُو صادِق في الوَعَدْ) والتي توسَّل فيها إلى ربه بأسمائه القُدسيَّة وصفاته المنعِيَّة مُستذكراً توحيد الإله رب العالمين جلَّ شأنه الذي لا يُثلَّث ولا يُربَّع كما يدَّعِي المُجسِّمَة (هداهُم الله)… قائلاً:
بِسْمِ الله يا حَيْ يا صَمَدْ.. يا واحداً نَافِي الوَلَدْ
جَلَّ الغنِي الأحَدْ الأحَدْ.. لا (أبْ لُو) لا أُمْ (لا لُو جَدْ)…
ثم ناجى الباري طالباً مُبتَغَاه:
مَوْلاَنَا هَا الدُعَاء لا يُرَدْ… أرزُقْنَا في الدُنْيَا المَدَدْ
حِلْ مِنِّي هَا القِيدْ أبْ زَرَدْ.. فُوقْ تِيسْ يقُولُو المَاحِي شَدْ
وبدأ الرحلة -عاد حلالي- إلى أن قال:
في كُرُسْكِي بَدْرِي صباح ورَد.. بالرِيفْ خَبَارْنَا يشِيعْ أكَد…
كُل لِيلَة بَايْتِينْ فُوقْ عُمَدْ.. فِي ضِيَافَة واحِدْ ما انْفَقَدْ…
وهُنا يتَجَلى الوصف الدقيق لمقالنا وهُو الدور الإجتماعي الذي كان يقُوم به هؤلاء العُمد والمشائخ في زمانٍ مضى… وطبعاً كما قِيل الما عندُو كبير يكُوسْلُو كبير… فالعُمد والمشايخ ديل كانُوا كُبار الحِلِّي… يقصدهم ضيف البلد… ويقصدهم العانِي والمُحتاج في أي زمانٍ ومكان… تجد دواوينهم دائماً مفتوحة… فحاج الماحي هُنا يوثق لهذه الحقبة وهُو نزولهم في كل منطقة عند عُمدة حتى وصولهم إلى الديار المُقدسة… وبيت العُمدة يقُوم بكل مستلزمات الضيافة (وزوادة الطريق) ثم توفير الأمان “في ضيافَة واحد ما انْفقَد” إلى أن يصلُوا إلى المنطقة التالية وهكذا ذهاباً وايابا…
وهُنا في هذه اللحظة تتراءى أمامِي صينيَّة شيخ منطقة المقل (الشيخ محمد صالح ود جَنِّي) العامْرِي دائماً تحت ظله الرهين “نيمات ود جَنِّي” يأكل منها الغاشي والماشي… يتحلَّق حولها أهل الدرِب وروَّاد الطاحُونة والدُكَّان والجايي من لا تِحِت وضيوف البلد من هنا وهناك… اللافت لنا حينها… انه يؤاكِل الجميع من كل طبقات المُجتمع… فرحمه الله رحمةً واسعة وأسكنه الفردُوس مع صاحب الجُود والسخاء سيدنا محمد الأمين صلى الله عليه وآله وسلم…
هذا بجانب الدعم والسند الحقيقي لأهالي المنطقة والوقوف دائماً بينهم وبين الحكومة وجباياتها فقد كانُوا “بالجَدْ” ضَهَر ومرِق يشيل الناس كما وصفهم أُستاذنا السياسي البارع محمد محمد أحمد الشايقي (رحمه الله)… تقُول الرواية التي سمعتها منه في تسعينيات القرن الماضي وسأحكيها بلهجتنا المُحبَّبة ما استطعت إلى ذلك سبيلا…
*مدخَل ثالث:*
قال لي… مرَّة جانا د. سيد أحمد عبد الهادي (رحمه الله) عمل ندوة سياسية في سُوق المقل… وعلي شقاوتُو قام هاجم العُمد والمشايخ والإدارة الأهلية عموماً!!
أها قال لي أنا ياداااااااااب جايي من بورتسودان عريس وماني معروف كتير في البلد… وطبعاً الشايقي دا كان من قيادات الحزب الإتحادي الديمقراطي وكان نقابياً مفوهاً في بورتسودان وبعدها بورشة الحوض بكريمة…
أها.. قال لي قُمت أرُد عليهُو جماعتُو حاولُو يمنعُوني… تصدَّى لهم عمنا ياسين ود الحسن ود صالح وطلعُوني فُوق طربيزة من طرابيز الجزارة… طبعاً ديلك منعُوهُو من منصَّتُن العاملينها للندوة…
وقال لي سيد احمد عبد الهادي…
يا دكتور سيد أحمد إنت زمنك الدكتور تهِزْ وترِزْ في البندر… أهلك هنا ديل يعالجُو في الحصبة بالبَشَانْتِيق… ويا دكتور سيد أحمد إنت زمنك السياسي وكبييييير في البندر… عُمدنا ومشايخنا ديل عُمُرُن ما جات الحكومة بيَّتَتْلَها زول في سجن صنب وهُنْ قاعدين… ولا ساقتْلها امرأة لي مروي غالبها تدفَع حق الطَلَب وهُن قاعدين… ولا قبضتلها مُعسر وهُن قاعدين وبيوتُن مفتوحة للبعيد والغريب وللغاشي والماشي…
ومقارنات كتيييييرة ذكرها…
قال لي العُمدة ود سورج ماهُو عارف الزول القاعْ يتكلم دا منو… سال الدلتي الله يرحمُو قالُو انت الجنا الفصيح دا ماشاء الله عليهُو هُولْ منُو؟؟ ردَّالُو قالُو دا ود حُمَّد طه.. واستطرد سريع قال ليهُو ود أخُو العوض ود التومي جاي من بورتسودان عرَّس دابُو الإسبوع الفات…
*النُكتَة وين؟؟*
قالُو العُمدة ود سُورج قال لي شيخ البلد شيخنا ود عبدُو كاشف تمشي تبارك ليهُو في بيتُو وتنقل ليهُو تهانينا لامِن نصلُو… وتعتذر ليهُو إننا ما عندنا خبر بي زواجك دا عشان كدي ما جينا شاركناك…
فقالُو الشيخ جاء راكب حمارُو المشهُور العاااااالي داك وطالع بالدرب ماشي علي الحِلِّي بعض الحريمات الكانن حاضرات الندوة في السوق قالَن لي نسيبْتُو… سجَم نسيبِك وبتك العرُوس.. الراجل دا كان قاعْ يتكلم في السياسة لا يبقى جايين يقُبضُوهُو؟؟!!!
المُهم قالُو نسيبتُو دخلتها خووووووفة وبقت قريبي لي مقر إقامتُو مراقبي الموقف… ساعة الشيخ نزل من حمارُو ومشى عليهُو قال ليهُو يا ولدي الف مبروك زواجك ونقل ليهُو تهاني العُمدة واعتذر ليهُو إنهم ما سمعُوا بالزواج دا كان جُو وحضروهُو… لمَّن نسيبتُو سمعت الكلام دا فكَّت ليها زغرُودةً كبييييييري… ما قلتلكم الناس ديل كانت لهم هيبة وقيمة إجتماعية تستحق الزعامة والريادة؟؟!!
نرجع لما بدأناهُ من كلام عن هذه الشريحة التي كانت مُهمة جداً في المجتمع المحلي وهي لا تزال كذلك في بعض المُجتمعات المحلية والإقليمية بل والغربية… فكثيراً ما نسمَع بعُمدة لندن وعُمدة نيويورك وعُمدة السليمانية هنا…
*فنقُول:*
التحية والتقدير لعُمدنا ومشايخنا الكانُوا سادِّين فَرَقَة كل ضعيف وساندِين ضَهَرْ كُل مِنْتَكِي…
والدعوات بالتوفيق للناظر عثمان سيد أحمد ود بشير أغا في مهامه العظيمة التي تنتظره والمجهُود الكبير المنُوط به حتى ترجع هذه القيم إلى ما كانت عليه… فيعُود: شيخ الحِلِّي كبير الحِلِّي زعيم الحِلِّي أرنِيق الحِلِّي وسند الحِلِّي…
ثم… الدعوات الطيبات الزاكيات تتنزل على قبر شيخنا محمد صالح ود جَنِّي وعموم من انتقلُوا إلى دار الخلود من جيلهم ومن سبقُوهُم وجاءوا بعدهم…
ورضاءُ ربي على شيخنا حاج الماحي مُلهِمنا في زمن التغبيش ودليلنا في زمن المطبَّات وهادينا من جُور الزمن…
.
.
.
*(أوحَى الله إلى الدُنيا، أنْ اخدِمي من خَدَمَنِي، واتعبِي من خَدَمك)*…
*# الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر عليهما السلام*… 

تعديل

إرسال التعليق